قصيدة مصائب قوم عند قوم فوائد ..كامله
ابو الطيب المتنبي
.............................................
عَواذِلُ ذاتِ الخالِ فيَّ حَواسِدُ * وَإِنَّ ضَجيعَ الخَودِ مِنّي لَماجِدُ
يَرُدُّ يَدًا عَن ثَوبِها وَهوَ قادِرٌ * وَيَعصي الهَوى في طَيفِها وَهوَ راقِدُ
مَتى يَشتَفي مِن لاعِجِ الشَوقِ في الحَشى * مُحِبٌّ لَها في قُربِهِ مُتَباعِدُ
إِذا كُنتَ تَخشى العارَ في كُلِّ خَلوَةٍ * فَلِمْ تَتَصَبّاكَ الحِسانُ الخَرائِدُ
أَلَحَّ عَلَيَّ السُقمُ حَتّى أَلِفتُهُ * وَمَلَّ طَبيبي جانِبي وَالعَوائِدُ
مَرَرتُ عَلى دارِ الحَبيبِ فَحَمحَمَتْ * جَوادي وَهَل تَشجو الجِيادَ المَعاهِدُ
وَما تُنكِرُ الدَهماءَ مِن رَسمِ مَنزِلٍ * سَقَتها ضَريبَ الشَولِ فيها الوَلائِدُ
أَهُمُّ بِشَيءٍ وَاللَيالي كَأَنَّها * تُطارِدُني عَن كَونِهِ وَأُطارِدُ
وَحيدٌ مِنَ الخُلّانِ في كُلِّ بَلدَةٍ * إِذا عَظُمَ المَطلوبُ قَلَّ المُساعِدُ
وَتُسعِدُني في غَمرَةٍ بَعدَ غَمرَةٍ * سَبوحٌ لَها مِنها عَليها شَواهِدُ
تَثَنّى عَلى قَدرِ الطِعانِ كَأَنَّما * مَفاصِلُها تَحتَ الرِماحِ مَراوِدُ
مُحَرَّمَةٌ أَكفالُ خَيلي عَلى القَنا * مُحَلَّلَةٌ لَبّاتُها وَالقَلائِدُ
وَأَورِدُ نَفسي وَالمُهَنَّدُ في يَدي * مَوارِدَ لا يُصدِرنَ مَن لا يُجالِدُ
وَلَكِن إِذا لَم يَحمِلِ القَلبُ كَفَّهُ * عَلى حالَةٍ لَم يَحمِلِ الكَفَّ ساعِدُ
خَليلَيَّ إِنّي لا أَرى غَيرَ شاعِرٍ * فَلِمْ مِنهُمُ الدَعوى وَمِنّي القَصائِدُ
فَلا تَعجَبا إِنَّ السُيوفَ كَثيرَةٌ * وَلَكِنَّ سَيفَ الدَولَةِ اليَومَ واحِدٌ
لَهُ مِن كَريمِ الطَبعِ في الحَربِ مُنتَضٍ * وَمِن عادَةِ الإِحسانِ وَالصَفحِ غامِدُ
وَلَمّا رَأَيتُ الناسَ دونَ مَحَلِّهِ * تَيَقَّنتُ أَنَّ الدَهرَ لِلناسِ ناقِدُ
أَحَقُّهُمُ بِالسَيفِ مَن ضَرَبَ الطُلى * وَبِالأَمنِ مَن هانَت عَلَيهِ الشَدائِدُ
وَأَشقى بِلادِ اللهِ ما الرومُ أَهلُها * بِهَذا وَما فيها لِمَجدِكَ جاحِدُ
شَنَنتَ بِها الغاراتِ حَتّى تَرَكتَها * وَجَفنُ الَّذي خَلفَ الفَرَنجَةَ ساهِدُ
مُخَضَّبَةٌ وَالقَومُ صَرعى كَأَنَّها * وَإِن لَم يَكونوا ساجِدينَ مَساجِدُ
تُنَكِّسُهُمْ وَالسابِقاتُ جِبالُهُمْ * وَتَطعَنُ فيهِمْ وَالرِماحُ المَكايِدُ
وَتَضرِبَهُمْ هَبرًا وَقَد سَكَنوا الكُدى * كَما سَكَنَت بَطنَ التُرابِ الأَساوِدُ
وَتُضحي الحُصونُ المُشمَخِرّاتُ في الذُرى * وَخَيلُكَ في أَعناقِهِنَّ قَلائِدُ
عَصَفنَ بِهِمْ يَومَ اللُقانِ وَسُقنَهُمْ * بِهِنزيطَ حَتّى ابيَضَّ بِالسَبيِ آمِدُ
وَأَلحَقنَ بِالصَفصافِ سابورَ فَانهَوى * وَذاقَ الرَدى أَهلاهُما وَالجَلامِدُ
وَغَلَّسَ في الوادي بِهِنَّ مُشَيَّعٌ * مُبارَكُ ما تَحتَ اللِثامَينِ عابِدُ
فَتىً يَشتَهي طولَ البِلادِ وَوَقتُهُ * تَضيقُ بِهِ أَوقاتُهُ وَالمَقاصِدُ
أَخو غَزَواتٍ ما تُغِبُّ سُيوفُهُ * رِقابَهُمُ إِلّا وَسَيحانُ جامِدُ
فَلَم يَبقَ إِلّا مَن حَماها مِنَ الظُبا * لَمى شَفَتَيها وَالثُدِيُّ النَواهِدُ
تُبَكّي عَلَيهِنَّ البَطاريقُ في الدُجى * وَهُنَّ لَدَينا مُلقَياتٌ كَواسِدُ
بِذا قَضَتِ الأَيّامُ مابَينَ أَهلِها * مَصائِبُ قَومٍ عِندَ قَومٍ فَوائِدُ
وَمِن شَرَفِ الإِقدامِ أَنَّكَ فيهِمُ * عَلى القَتلِ مَوموقٌ كَأَنَّكَ شاكِدُ
وَأَنَّ دَمًا أَجرَيتَهُ بِكَ فاخِرٌ * وَأَنَّ فُؤادًا رُعتَهُ لَكَ حامِدُ
وَكُلٌّ يَرى طُرقَ الشَجاعَةِ وَالنَدى * وَلَكِنَّ طَبعَ النَفسِ لِلنَفسِ قائِدُ
نَهَبتَ مِنَ الأَعمارِ ما لَو حَوَيتَهُ * لَهُنِّئَتِ الدُنيا بِأَنَّكَ خالِدُ
فَأَنتَ حُسامُ المُلكِ وَاللهُ ضارِبٌ * وَأَنتَ لِواءُ الدينِ وَاللهُ عاقِدُ
وَأَنتَ أَبو الهَيجا ابنُ حَمدانَ يا ابنَهُ * تَشابَهَ مَولودٌ كَريمٌ وَوالِدُ
وَحَمدانُ حَمدونٌ وَحَمدونُ حارِثٌ * وَحارِثُ لُقمانٌ وَلُقمانُ راشِدُ
أولَئِكَ أَنيابُ الخِلافَةِ كُلُّها * وَسائِرُ أَملاكِ البِلادِ الزَوائِدُ
أُحِبُّكَ يا شَمسَ الزَمانِ وَبَدرَهُ * وَإِن لامَني فيكَ السُهى وَالفَراقِدُ
وَذاكَ لِأَنَّ الفَضلَ عِندَكَ باهِرٌ * وَلَيسَ لِأَنَّ العَيشُ عِندَكَ بارِدُ
فَإِنَّ قَليلَ الحُبِّ بِالعَقلِ صالِحٌ * وَإِنَّ كَثيرَ الحُبِّ بِالجَهلِ فاسِدُ
ل:ابو طيب المتنبى